قواعد الخراب الخمس

الحروب البلوبونيزية من الحروب الكلاسيكية و الصراعات الأكثر إثارة للإعجاب و مثلت صراعات من النوع الخاص، بين جبروت القوة العسكرية و قوة الكلمة ( المعلمين و الشعراء ) رغم أن أسبارطة امتلكت القوة العسكرية الصرفة لكنها ظلت فترة طويلة عاجزا من إلحاق الهزيمة لجيش أثينا قادته مجموعة من الشعراء و المعلمين ، دامت الحروب البوبونيزية بين أسبارطة و أثينا أربعة وخمسون عاما ( ٤٥٩-٤٠٤)ق م و انتهت بسقوط أثينا .
يقال أنه عشية النصر اجتمع حاكم أسبارطة بمجموعة من الحكماء و العارفين بفنون القتال و الإهانة و الإذلال ، للبحث عن أسباب الصمود الأسطوري و الشجاعة الذي أظهره جيش أثينا ، و طرح عليهم السؤال التالي : ما هو سر الصمود المذهل لأثينا في وجه آلياتنا العسكرية العاتية ؟ و كيف السبيل لإخضاع أثينا إلى الأبد ؟
جاء الجواب سريعا و على النحو التالي : إنهم المعلمون يا سيد الجند !! إن أثينا تُجلُّ معلميها ، لذلك برع هؤلاء النخبة المثقفة بتلقين أبنائهم خلاصة علمهم في الفلسفة و المنطق و الشعر و الرياضيات ، فكانت قوة عقولهم مصدرا للصمود المذهل و لجبروت أجسادهم التي هزمتنا مرارا .
و السبيل لإخضاعهم و استعبادهم عليك بالوصفة التالية : -إذلال المعلمين- خفض أجر المعلم فتجعله أقل من أجر سائس الخيل – أجعل نصف ماله يصرفه في تأمين علف للدابة التي تنقله لمكان عمله و الباقي لتكاليف معيشته و لأسرته – عليك بفرض نظام سخرة على المعلمين خاصة فتجعلهم يعملون لساعات و أيام دون مقابل – أعف عنه الضرائب إذا عمل حمالاً أو أجيراً – عليك بإهانته فكلما ألف كتابا أو أبدع فكرة ادفع له مكافأة يرفضها سقاء في الطريق ، و بذلك ستضمن أنه لن يجد وقتا ليقرأ فيزداد علما و لن يجد مالا ليشتري كتابا قيما أو ملبسا لائقا أو يستأجر سكنا متواضعا ، عندها ستغادر العقول البلاد و من بقي منها سيكون مثار سخرية من سفلة القوم و موضع شفقة للجميع ، فلا ينتج المعلم علما بل سيعيد إنتاج الجهل ، فيخرِّج من لدنه الجهلة الذين سيتولون إدارة البلاد و باتجاه الخراب سيسيرون .
هذه الوصفة السحرية ما زلت تقض مضاجع الفواعل السياسية في بلدنا الأفريقي الجميل .
فقبل اتخاذهم إجراءات و قرارات تتعلق بالشأن العام يراجع هؤلاء الفواعل السياسية الوصفة كي يتأكدوا بأن ذلك الإجراءات و القرارات تتقاطع مع بنود قواعد الخراب الخمس ، هذه الوصفة كرست تركيز السلطة في أيدي مجموعة قلة قليلة من الموظفين الفاسدين الأنركية منذ استقلال جزر القمر في السبعينات .
كثير ما نجد نبلاء الفكر العربفونية في جزر القمر يقعون ضحية أو تحت تأثير تلك الوصفة السحرية فيكونون سبباً لأضرار بالغة في تدبير السياسة ، هذا النموذج من نبلاء الفكر العربفونية يمثلون مدرسة بحد ذاتها في تزييف وعي الناس و تشويه العقل الجمعي ، هي مدرسة متكاملة تحاول تحميل المسؤولية التاريخية للتخلف في المجتمع إلى المقهورين و المستغَلين و الفقراء .
من يعمق في التفكير جيدا يجد أن الدولة القمرية تنقسم إلى ( مراكز ) نهب محلي – يمثله الفواعل السياسية الذين يمتلكون من السلطة ما يؤهلهم على إقرار السياسات و تدبير الفكر و الأدب و الفن و الدين . و ( أطراف ) منهوبة و مقهورة يمثلها المجتمع الذي تعاني ذاكرته من تجارب مؤلمة تجعله أمام خيارين أحلى هما مر ، اختيار بين الشيطان و إبليس – أو بين نبلاء السياسة أو نبلاء المعارضة .

محمود ناصيف مهوما

كاتب ومحلل سياسي قمري

كل الآراء الواردة في المقال يتحمل الكاتب فقط كامل المسؤولية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى